الصراع على إدلب يتفاقم.. دولٌ وفصائل متناحرة و(حراس دين)  - It's Over 9000!

الصراع على إدلب يتفاقم.. دولٌ وفصائل متناحرة و(حراس دين) 

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)

مقدمة

على الرغم من التحالف الذي كان قائما بين فصائل المعارضة في إدلب على مدار سنيّ الثورة رغم تباينها في الاتجاه والهدف, إلا أن التصدعات تعاظم ظهورها منذ اتفاقيات آستانة, التي قطعت الطريق أمام قيام أي تحالف فصائلي, كشفت عن ذلك المواجهات العنيفة التي حدثت داخل معسكر "الإخوة المتحاربين" في محافظة إدلب، يدفع الصراع بينهم رغبة كل فصيل على حدة في السيطرة على المحافظة, ثم استكمال الانقضاض على باقي المناطق المحررة, لكن عجز الفصائل في البلع المنفرد للمنطقة, جعل الفصائل الكبرى (جبهة النصرة, وحركة أحرار الشام) تعمل على إيجاد حلفاء جدد داخل الفصائل المتشرذمة كخطوة تسبق الانفجار الكبير, فكانت النتيجة ولادة كيانين متنافرين (هيئة تحرير الشام, وجبهة تحرير سوريا) وعمل كل منهما على التخلص من الآخر, كيلا يكون عقبة أمام طموحه، لذلك جاء الخطاب الإعلامي في اتجاه التصعيد كمحفز للصراع في منطقة فقيرة الموارد, فيما تتحكم فصائل أخرى بالمعابر حيث الثروات، مما يجعلها متحكمة بالنفوذ.

وفي هذا السياق, تمكنت "هيئة تحرير الشام" من السيطرة على معبر باب الهوى الرئيسي, وبعض المعابر الفرعية على الحدود مع تركيا في محافظة إدلب, بعد اقتتال اتشح بالدم على مدار عامين, فيما انصرف نظام الأسد ومن يسانده من ميليشيات شيعية بغطاء جوي روسي في متابعة القضم التدريجي للمناطق المحررة, دون أن تقدم الفصائل أي معوّق لتقدم قوات نظام الأسد سوى تنفيذ اتفاقية آستانة التي أزاحتهم من رقعة جغرافية واسعة في محافظة إدلب إلى المناطق المرسومة في خرائط آستانة ضمن النفوذ التركي.  

من هنا, حسمت فصائل المعارضة وجهة الصراع مع نظام الأسد بالقبول بما تبقى لديها من منطقة خارج نفوذ سيطرة الأسد, بمعنى القبول بالأمر الواقع وفق اتفاقيات إقليمية ودولية ترتب الجغرافية السورية, ومع انطفاء جذوة الصراع مع الخصم اللدود, تحوّلت وجهته داخل الكيان العسكري الفصائلي على شكل تجاذبات سياسية مؤدلجة إيذانا بمعركة عسكرية لاحقا, أي تصعيد الصراع داخل أجنحة معسكر "الإخوة" في مواجهة بنيتها التنظيمية ليأخذ الصراع شكلا جديدا, تمثّل بموجة من الاغتيالات طالت قيادات دينية وعسكرية وإعلامية.   

تركيا المتحكمة إلى حدّ ما بما تبقى من فصائل المعارضة داخل المنطقة الشمالية الغربية المحررة المشاطرة لحدودها, دفعت بالفصائل لإغلاق ملف الصراع البيني, لإدراكها أن حليفها الروسي يضع إدلب ضمن دائرة سوداء, وبمقدوره توظيف قضية "الحرب على الإرهاب", والدفع بالمنطقة إلى حرب مفتوحة، ولعل الإعلام الموازي للروس سيقرع طبول الحرب، ويستجدي الغرب وقوى الإقليم للوقوف ضد "الإرهابيين"، ومنعا لهذه الدعوة التي قد تجد قبولا إلى حدّ ما, فالأتراك استبقوا ذلك بالتدخل في إدلب باعتبارها واقعة تحت نفوذ محاصصتها في آستانا، وهذا ما تجسد فعليا في اللقاءات الأخيرة بين الحلف "الآستاني" لتوزيع مناطق النفوذ بما يخدم مصالحهم, فيما يتطلع سواد الشعب السوري في المنطقة المحررة إلى القبول بأسهل الاحتلالات لإيقاف شلال الدم.

 

وقف الاقتتال.. مكاسب وصفقات سياسية

بعد الاستتباب النسبي للجبهات المشتعلة على الحدود الإدارية المشاطرة لمحافظة إدلب ضد قوات نظام الأسد, بدت الفصائل تسعى لحسم الصراع بينها، عبر دفع بعضها بشتى الطرق، ولم يمضِ وقتٌ حتى تكرس فصيلان رئيسان في المحافظة هما (هيئة تحرير الشام, وجبهة تحرير سورية)، يتنازعان مع فصائل تابعة لهما بسط سيطرتهما على إدلب، يدفعهما لتأجيج الصراع عدة عوامل يقف على رأسها:

‌أ. تقوية موقفهما عسكريا واقتصاديا في المنطقة التي تشهد تنافسًا شديدًا في السيطرة على المعابر، سواء مع الجانب التركي أو مع مناطق نفوذ نظام الأسد, لإيجاد مصادر تمويل بديلة.

‌ب. دعم مركزهما السياسي من خلال فرض نفسهما كرقم مهم على طاولة تسوية الأزمة السورية سياسياً بعد أن تضع الحرب أوزارها؛ إذ أنهما يدركان أن من يملك نفوذاً وحضوراً قويين على الأرض ستكون له كلمة في رسم مستقبل المنطقة.

‌ج. سعيهما إلى نفي تهمة الإرهاب عنهما، بوصفها ورقة لكسب ودّ القوى الفاعلة، وتبرئة ساحتهما من التهم الموجهة إليهما, وتصنيفهما ضمن الجماعات الإرهابية.

د. مواكبتهما التحركات التركية, خاصًة في ظل تنامي النفوذ الإيراني والروسي, والرغبة التركية في محاصرة أعدائها/حلفائها الحاليين في مناطق نفوذهم وانتهاز فرصة تقاربها مع روسيا لتثبيت قدمها في الجغرافيا السورية.

وبعد اقتتال دامٍ استمر لأكثر من شهرين, سقط بنتيجته المئات بين قتيل وجريح, توصلت الأطراف المتحاربة، ليل الثلاثاء 24 نيسان (أبريل) الماضي إلى وقف دائم للاقتتال. وتضمن الاتفاق الذي أصاب المراقبين بذهول, النقاط التالية:

-  إنهاء القتال بشكل دائم وكامل وتثبيت الوضع في الأراضي المحررة على ما هو عليه.

-  وقف الاعتقالات وفتح الطرقات ورفع الحواجز وعودة المهجرين وإيقاف التحرش الإعلامي وإطلاق سراح المعتقلين من الطرفين.

- البدء بمشاورات موسعة مستمرة للوصول إلى حل شامل على الصعد العسكرية، والسياسية، والإدارية، والقضائية.

وذيلت ورقة الصلح بتوقيع "الجولاني", ووقع إلى جانبه كل من قائد جبهة "تحرير سوريا" ونائب قائد "صقور الشام".

ويأتي إيقاف القتال في محافظة إدلب وفق سياق الاستراتيجية التركية لتحقيق بعض الأهداف المرتبطة بتفاهمات آستانة, ولم تكن المرة الأولى التي يكتنف الغموض المتعمد والسرية التامة الكثير من الاتفاقيات، التي رافقت الحرب السورية؛ بفعل الصفقات الإقليمية والدولية, مع ذلك يذهب مراقبون إلى أن "التدخل التركي في وقف نزيف الدم الفصائلي, محاولة للملمة الفصائل وتنظيمها ومنع انهيار كبير يسمح بعملية عسكرية يقوم بها نظام الأسد والميليشيات الشيعية الإيرانية بدعم جوي روسي، ولرسم حدود نفوذها النهائي وأماكن سيطرتها في الشمال الغربي لسوريا. وهو ما يحتاج إلى اتفاق نهائي بين أنقرة وموسكو تنشر فيه الأولى نقاط مراقبتها الثلاث المتبقية في قلعة المضيق وسهل الغاب وجسر الشغور".

 

حرب الاغتيالات

تجري حرب الاغتيالات الدائرة في محافظة إدلب ومحيطها المحرر بعد إعلان وقف الاقتتال الفصائلي الفجائي, ومع تنامي الاغتيالات السرية يكتنف الغموض منفذيها ومدبريها, حيث بدت الرؤوس القيادية لأجنحة الفصائل وكوادرها والشخصيات النشطة في الحقول الإعلامية والسياسية عرضة للاغتيال في تمظهر جديد للصراع يحمل عدة مؤشرات، ينفذها مجهولون في محافظة إدلب, يستهدفون شخصيات متباينة الاتجاه والمنبت والإيديولوجية, حيث نجا عبد الله المحيسني, الداعية الجهادي, من محاولة اغتيال إثر استهداف سيارته بعبوة ناسفة بالقرب من بلدة سراقب، بعد خروجه من اجتماع متعلق بقضية إطلاق سراح أسرى القتال بين "جبهة تحرير سوريا" و"هيئة تحرير الشام".

وقضى ما يقارب 20 شخصاً في عمليات الاغتيال المتفرقة المستمرة، وكان من أبرزهم القيادي في "هيئة تحرير الشام" عبد الغفور الحمادي الملقب "أبو الورد كفر بطيخ" ومرافقه إثر استهداف سيارتهم شمالي مدينة معرة النعمان من قبل مسلحين مجهولين، لاذا بالفرار. واستهدف ثلاثة عناصر من "الحزب الإسلامي التركستاني" بإطلاق نار مباشر من مسلحين يستقلان دراجة نارية بالقرب من بلدة أرمناز غربي إدلب. وقتل القيادي في "جيش الأحرار" عبد الله السيد علي الملقب أبو سليم بنش، في منطقة الصواغية قرب الفوعة، وهو في الطريق إلى مدينة معرتمصرين, وتعرض مدير الدائرة الإعلامية في مديرية تعليم إدلب، مصطفى الحاج علي لمحاولة اغتيال قرب بلدة النيرب فيما كان متوجها إلى بلدته سرمين المجاورة. وقتل صاحب شركة صرافة وحوالات في سرمدا قرب معبر باب الهوى الحدودي. كذلك تعرضت سيارة مدنية لعملية تفجير بعبوة موجهة غربي معرتمصرين، قتل فيها ثلاث نساء وطفل وجرح من كان داخلها.

وقضى الصيدلاني طراد الديري بعد اقتحام صيدليته في قرية جوباس جنوب سراقب, كما لقي ثلاثة عناصر من " فيلق الشام" حتفهم اليوم الخميس بالقرب من معرتمصرين.

 

عودة السلفية الجهادية

تعكس طبيعة التحولات الداخلية والخارجية صعود جناح فصائلي جديد ضمن تنافس علني مع الأجنحة القديمة, وبما أنّ الصراعٍ غير متكافئ، أدرك الجناح الجديد الذي أطلق على نفسه اسم (حراس الدين) حاجته إلى قوة تمثله، تكيفاً مع تحوله إلى لاعب جديد يفرض سلطة الأمر الواقع أكثر من كونه تحولا طبيعيا داخل "هيئة تحرير الشام", فحرص على عمل عسكري ضد قوات نظام الأسد, يعيد انبعاثه للفت انتباه الحلفاء والخصوم، فيما بدت قيادات الفصائل المتباينة متذبذبة في خطاباتها وإن قبلت ضمنا العرض التركي الداعي للتسوية, فإن (حراس الدين) تبنوا مبدأ "القاعدة" في أن تكون الحرب وحتى النهاية الخيار الوحيد لها، إلا أن الجناح  العسكري الذي يقوده "الجولاني" لا يزال قوة باطشة ويفرض وجوده على الأجنحة العسكرية الأخرى، إضافة إلى خضوع قرار الهيئة السياسي والعسكري لمجلس الشورى الذي يمثله زعيم الهيئة، الجولاني, وهو ما يعيق تعاظم نفوذ أي قوة صاعدة, سواء من داخل الهيئة أو من الجماعات المنشقة عنها, إذ تمركزت القوة الصلبة, بتركيبتها وبنيتها، ومؤهلات المنتمين إليها، بـ"جبهة النصرة" التي فكت ارتباطها بـ"القاعدة", لذلك لا يمكن لأي تنظيم جديد المنافسة على السلطة والنفوذ والثروة, دون الدخول في صراع مكشوف  مع الهيئة, علاوة على أن التنظيمات الجهادية السلفية تحت أي مسمى تعتبر تحديا كبيرا لتركيا التي تعمل على صهر كافة الفصائل في كيان عسكري واحد, وهذا ما تعمل عليه في إطار مشروع لا يخلو من العوائق في ظل تدفق فصائل مسلحة معارضة إلى محافظة إدلب قادمة حديثا من مناطق التهجير.

 

إدلب في ظل التفاعلات والتحالفات الراهنة

في الآفاق المنظورة لتداعيات الحرب، في سوريا عموما, وفي محافظة إدلب على وجه الخصوص, ثمة ما يشير إلى أن الأطراف المتحاربة المحلية والإقليمية, تغلب مصالحها الخاصة على مصلحة السوريين، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار سوريا ووحدة ترابها، لاسيما في ظل تنامي نزعات مناطقية تستقوي بالآلة العسكرية، التي أسستها ودعمتها الدول الإقليمية، علاوة على تفاهمات "حلف آستانا" وما تمخض عن هذا الحلف من تلاعب بالجغرافية والسكان, لتتحول البلاد إلى كانتونات مشيخية تُذكِّر بعهد الاحتلال الفرنسي الذي قسّم البلاد إلى أربع دويلات (دولة الدروز في الجنوب, ودولة دمشق, ودولة حلب, ودولة العلويين في الساحل السوري). ولكن هذه المرة تحت احتلالات متمايزة.

من هنا, بادرت تركيا إلى وقف الاقتتال الفصائلي الدائر في إدلب, استباقا لما قد تتعرض له مجددًا، من اجتياح تشنه ميليشيات الأسد وإيران بدعم روسي, وفق تحالفات جديدة، بدعوى الحفاظ على الوحدة الوطنية، وبدعوى تصاعد نشاط جماعات القاعدة وفروعها، التي يزداد حضورها مع ضعف هذه المناطق وتجزُّؤ سلطاتها.

وفي هذا السياق, ثمة من يرى أن تركيا تسعى إلى تثبيت نقاط ارتكازها في مناطق خفض التصعيد بمحافظة إدلب, المرتبط بالتفاهم مع روسيا ضمن عملية آستانة, مما قد يؤدي إلى زيادة مساحة النفوذ التركي على طاولة مفاوضات التسوية النهائية، وهو ما سوف تكشف عن حدوده جولات المفاوضات القادمة, لتقاسم الغنيمة السورية، لذلك, فإنّ "حلف آستانة" في عجلة من أمره لتحقيق مكتسبات كل طرف, خشية تبدلات مفاجئة في السياسة الدولية تؤدي إلى خسائر كارثية, فإيران التي تنتظر القرار الأميركي المتعلق بملفها النووي تعمل على ضمان تشغيل شريانها المتمثل بقوسها الممتد إلى البحر المتوسط الذي يمنحها نفوذا إقليميا في المنطقة العربية وذلك بتثبيت قواعدها العسكرية والحفاظ على أذرعها كـ"حزب الله اللبناني والحشد الشيعي العراقي", مع التركيز على تفعيل وتنفيذ كل الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها مع نظام الأسد, بينما تنشغل تركيا بتسوير عسكري للمنطقة الشمالية الغربية "ادلب وريف حلب"، لوضع حدّ لقلقها المزمن نتيجة تهديدها من ميليشيا "حزب العمال الكردستاني", ولضمان مكتسباتها في عمق المناطق المحررة, مما يتطلب منها البدء بتنفيذ تثبيت نقاطها العسكرية المتبقية في منطقة خفض التصعيد, وإيجاد  بدائل عسكرية وإدارية ناظمة للمناطق المحررة في إدلب ومحيطها.

وفي هذا الإطار, بدأت قوات تابعة للشرطة العسكرية الروسية الانتشار في مناطق ريف إدلب وحماة الشرقيين، بعد أن سيطرت عليها قوات النظام في وقت سابق, وذلك لوضع مخافر كنقاط مراقبة للقوات العسكرية الروسية والشيشانية في المنطقة، حيث دخل وفد روسي صباح اليوم الخميس إلى بلدات "أبو دالي، وأم صهريج، وسنجار، وقرية تل مرق" بريف إدلب الجنوبي الشرقي, وتم سحب السلاح الثقيل من الميليشيات التابعة للمخابرات الجوية، بينما بقي بحوزتهم السلاح الفردي الخفيف فقط. وفي الجانب المقابل، نشرت تركيا على مدار الشهرين الماضيين عددا من نقاط المراقبة في أرياف حماة وحلب وإدلب، ضمن اتفاق خفض التصعيد الموقع في أستانا بين "روسيا وتركيا وإيران".

هذه التطورات المتسارعة, تأتي في إطار اللقاءات التي جمعت دول حلف "آستانة" مؤخرا والتي وضعت محافظة إدلب تحت النفوذ التركي, الذي سارع إلى وقف الاقتتال الفصائلي, والعمل لاحقا على استئصال أي فصيل يحاول الخروج عن إطار الالتزامات التركية المتفق عليها.

 

مقالات ذات صلة

سلمه رسالة.. وزير خارجية البحرين يجتمع مع بشار الأسد في دمشق

نظام الأسد يشن حملة اعتقالات بريف حمص الشمالي

الدفاع المدني يعلق على استخدام الصواريخ الموجهة من قبل قوات النظام

زيارة مفاجأة لوفد من التحالف الدولي إلى مخيم الركبان

"التنظيم" يكشف عن عملياته وسط وشرق سوريا خلال أسبوع

النظام يعتقل سيدة بعد عودتها من لبنان